سورة الجمعة - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الجمعة)


        


{ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4)}
قال ابن عباس: حيث ألحق العجم بقريش.
وقيل: يعني الإسلام، فضل الله يؤتيه من يشاء، قاله الكلبي.
وقيل: يعني الوحي والنبوة، قاله مقاتل. وقول رابع: إنه المال ينفق في الطاعة، وهو معنى قول أبي صالح. وقد روى مسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: ذهب أهل الدثور بالدرجات العلا والنعيم المقيم. فقال: «وما ذاك»؟ قالوا: يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون ولا نتصدق ويعتقون ولا نعتق. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أفلا أعلمكم شيئا تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين مرة». قال أبو صالح: فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ}. وقول خامس: أنه انقياد الناس إلى تصديق النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودخولهم في دينه ونصرته. والله اعلم.


{مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5)}
ضرب مثلا لليهود لما تركوا العمل بالتوراة ولم يؤمنوا بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حُمِّلُوا التَّوْراةَ أي كلفوا العمل بها، عن ابن عباس.
وقال الجرجاني: هو من الحمالة بمعنى الكفالة، أي ضمنوا أحكام التوراة. {كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً} هي جمع سفر، وهو الكتاب الكبير، لأنه يسفر عن المعنى إذا قرئ. قال ميمون بن مهران: الحمار لا يدري أسفر على ظهره أم زبيل، فهكذا اليهود.
وفي هذا تنبيه من الله تعالى لمن حمل الكتاب أن يتعلم معانيه ويعلم ما فيه، لئلا يلحقه من الذم ما لحق هؤلاء.
وقال الشاعر:
زوامل للأسفار لا علم عندهم *** وبجيدها إلا كعلم الأباعر
لعمرك ما يدري البعير إذا غدا *** بأوساقه أو راح ما في الغرائر
وقال يحيى بن يمان: يكتب أحدهم الحديث ولا يتفهم ولا يتدبر، فإذا سئل أحدهم عن مسألة جلس كأنه مكاتب.
وقال الشاعر:
إن الرواة على جهل بما حملوا *** مثل الجمال عليها يحمل الودع
لا الودع ينفعه حمل الجمال له *** ولا الجمال بحمل الودع تنتفع
وقال منذر بن سعيد البلوطي رحمه الله فأحسن:
انعق بما شئت تجد أنصارا *** ووزم أسفارا تجد حمارا
يحمل ما وضعت من أسفار *** يحمله كمثل الحمار
يحمل أسفارا له وما درى *** إن كان ما فيها صوابا وخطاء
إن سئلوا قالوا كذا روينا *** ما إن كذبنا ولا اعتدينا
كبيرهم يصغر عند الحفل *** لأنه قلد أهل الجهل
ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها أي لم يعملوا بها. شبههم- والتوراة في أيديهم وهم لا يعملون بها- بالحمار يحمل كتبا وليس له إلا ثقل الحمل من غير فائدة. ويَحْمِلُ في موضع نصب على الحال، أي حاملا. ويجوز أن يكون في موضع جر على الوصف، لان الحمار كاللئيم. قال:
ولقد أمر على اللئيم يسبني {بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ} المثل الذي ضربناه لهم، فحذف المضاف. {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} أي من سبق في علمه أنه يكون كافرا.


{قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (6) وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7)}
لما ادعت اليهود الفضيلة وقالوا: {نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة: 18] قال الله تعالى: {إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ} فللأولياء عند الله الكرامة. {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} لتصيروا إلى ما يصير إليه أولياء الله {وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} أي أسلفوه من تكذيب محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلو تمنوه لماتوا، فكان في ذلك بطلان قولهم وما ادعوه من الولاية.
وفي حديث أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لما نزلت هذه الآية: «والذي نفس محمد بيده لو تمنوا الموت ما بقي على ظهرها يهودي إلا مات». وفى هذا إخبار عن الغيب، ومعجزة للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقد مضى معنى هذه الآية في البقرة في قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} [البقرة: 94].

1 | 2 | 3 | 4